اقريني ولد امينوه.. “صحفي بربع مليون أوقية”/ عبدالرحمن المقري*

استفاق رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في أول يوم من الأسبوع قبل الأخير من هذا العام، على حلقة مصورة مثيرة للجدل؛ كان نجمها بلا منازع الصحفي الشاب اقريني ولد امينوه.

وهي حلقة أبان فيها ولد امينوه عن وسع باعٍ ورباطة جأش، وانحياز للمهنية، جعل كثيرين ممن لا يعرفونه يعيدون النظر في تقييم الصحفيين في الساحة.

وللمفارقة فهذا ما أراد اقريني من ظهوره الإعلامي الأخير، مع صحفيين من الجيل الذي قال له “اقرأ”، في الصحافة وسبقه بجيل على الأقل.

يحسب اقريني على الجيل ما قبل الأخير من الصحافة الموريتانية، جيل “السوشيال ميديا”، والقهاوي، جيل “الحضرة”، و”الفريلانس”، جيل أدرك آخر عبق الجريدة، واطلع على الزوايا الحادّة في الصحافة الورقية، لكنه لم يكتب بالقلم إلا قليلا، إذ تقاسم مع جيل z الأجهزة اللوحية، و”الكيبورد”.

تتلمذ اقريني على مضيّفه في حلقة “صالون الصحافة”، الأستاذ حنفي ولد دهاه وتِربه محمد الأمين ولد محمودي، فرضع لِبان الصحافة بأجناسها؛ المرئية والمسموعة والمقروءة، عنهما وعن غيرهما… ثم عاش كريما في بلاط صاحبة الجلالة؛ متبتلا في محراب الصحافة النزيهة، قابضا على جمر ضيق ذات اليد.

ثم تحولت صروف الدهر به بين أيادٍ كريمة وأخرى دون ذلك، فتركته تجربة “الوطنية”، لمراسلة القنوات الأجنبية برهة من الزمن؛ وعلى حين نظرة ثاقبة من أحد مدراء قناة الموريتانية الرسمية؛ استدعاه طيب الذكر عبد الله ولد أحمد دامو، وقدم له ولزملائه عروضا للانطلاق في الإبداع في الإعلام المرئي، في تجربة قال عنها فريدة.

كان عرض ولد أحمد دامو على مقاس “اقريني النبيل”؛ على الأقل في صياغته وعباراته المناسبة لـ”ذوي الشأن”، فسماه “كبير منتجين” تقديرا وإكراما لمقامه، وكان الغلاف المالي الشهري الثابت “ربع مليون”؛ (ولعلّ القارئ هنا يفهم المزحة في زاوية العنوان)، وذلك راتب مجز إلى حد ما قبل سنوات، لمن يتنفس الإبداع في جميع الأحوال المادية…

وعلى حين غرة وتبدل أحوال إدارة “الموريتانية”، طلب المبدع الصحفي سيدي ولد النمين خدمات القلم المغوار، واختار لمشروع جديد اقريني رأس حربة، مع فريق كان انتقاؤه ذكيا، فأخذت به “البرلمانية” زخرفها وازّينت.

هنا استقرّ الحال باقريني وعرفه معظم أهل الحقل الصحفي والمتابعون، بطلته الأنيقة وصوته الرخيم، وطرافة يراعه، الذي يدنيه لذيذا غبوقا أو صبوحا لرواد صفحته بفيسبوك، حين يكون غارقا في كتابة قصة، أو اقتناص زاوية حوار لموقع “إندبندنت” السعودي.

والآن وقد عرف الجميع من هو اقريني؛ فقد عرفتُه شخصيا في منزل أحد الصحفيين الأجلاء بأبوظبي؛ (هو العميد محمد الأمين ولد الأقظف؛ وهو نبيل آخر قابض على الجمر، وممسك بقيم الشهامة يخاف عليها الاندثار)، حين كان يتعرف على تجارب أخرى غير محلية هناك بالإمارات، ثم استمرّ ذلك التعارف، الذي طالما تشرفتُ به؛ وطوقني بفخر الزمالة، في هذه المهنة التي يتبرأ منها الكثيرون وأنا وهو منهم….

غير أن اقريني وهذا فصل المقال ومربط الفرس، فيمثل لدينا معاشر مُتعاطي الصحافة أو التحرير -كما أفضل-، “حالة” محمودة، للذب عن هذه المهنة، وسانحة نادرة لمنتسبي الحقل الصحفي عموما، وهو أمر طالما طالب به صاحبنا في أكثر من منبر.

وقد أعاد الكرة مرتين، في الحلقة الأخيرة من “صالون الصحافة”، بدعوة لوزير الثقافة والفنون والاتصال، الدكتور الحسين ولد مدو؛ (وهو أيضا حالة أخرى من الكفاءة والنبل؛ يعول عليها في المبتغى) دعاه مجددا إلى إصدار المراسيم المكملة لقانون “البطاقة الصحفية”؛ حتى يعرف الخيط الأبيض من الأسود في ممتهني الصحافة، حتى تؤدي دورها كسلطة رابعة؛ وسَلطة شهية يكثر استهلاكها بين الموريتانيين بنهَم المستهلك؛ خصوصا في ظل الغث الكثير على مواقع التواصل الاجتماعي، والورقات الإلكترونية الصفراء.

*كاتب ومدير موقع “صدى ميديا” الإلكتروني

شارك على