نشر هذه الصورة القلمية قبل سنوات الصحفي الموريتاني المقيم بدولة الإمارات؛ الدكتور يعقوب باهداه.
/////////////////
ولـد الغـزواني..آخر العنقــود!
نجا من غضب ولد الطائع بأعجوبة.. ليصبح الجنرال الثالث في تاريخ موريتانيا
**
حين أبصره محمد خونه ولد هيداله الرئيس الرابع في تاريخ الدولة قال في فرح تشوبه حيرة : “أوه لقد كبر…لم أره منذ زمان”.
مضت سنوات عدة دون أن يرى هيداله من سيصبح بعده ثاني أهم شخصية في المؤسسة العسكرية الموريتانية. كان افتتاح المنتديات العامة للديمقراطية في السابع والعشرين ديسمبر الماضي، فرصة للقاء أجيال عدة من ضباط المؤسسة، الذين خرج جيلهم الأول بسبب حركات انقلابية في الغالب.
تقدم قائد أركان الجيش 2009 اللواء محمد ولد الشيخ محمد أحمد(ولد الغزواني)، وانحنى ليصافح المصطفى ولد محمد السالك القائد الأسبق للجيش، وأول رئيس عسكري في تاريخ موريتانيا. تحرك خطوة أخرى ليحيي باحترام الرئيس الآخر محمد خونه ولد هيداله. وأخذ مكانه في المقاعد الأمامية، وعاد لصمته.
تغيرت المواقع مع الزمن، لكنه قد يكون صاحب حظ يحسده عليه قدماء العقداء في المؤسسة العسكرية الذين أفنوا لياليهم “دون جدوى تذكر”.
ما كان لينجو من غضب العقيد والرئيس “المنتخب”، لو لم يكن غائبا هناك في العاصمة الأردنية عمّان، يحضر دورة لتحسين خبرته العسكرية.
فحين استشاط الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع غضبا من الضباط السامين في الجيش صيف عام 2003، كان المقدم محمد ولد الغزواني محظوظا، إذ لم يُـحمّل مسؤولية محاولة الانقلاب التي انطلق قادتها من قيادة كتيبة المدرعات (BB) في مقاطعة عرفات بنواكشوط التي يقودها، وحمّل ابن أخ الرئيس المقدم سيدي أحمد ولد الطايع، الذي خلف ولد الغزواني في القيادة، مسؤولية التقصير وعدم الانتباه لتحضيرات المحاولة التي استغرقت وقتا طويلا، واستطاع الرائد محمد ولد شيخنا ورفاقه “خداع” القائد بالنيابة وخرجوا بالدبابات، لتنفيذ محاولة انقلابية صبيحة الأحد الثامن يونيو 2003، هي الأكثر دموية في تاريخ موريتانيا، بعد محاولة 16 مارس 1981.
لم يكن نجم ولد الغزواني قد سطع يومها، لكنه كان في طريقه للحظة تاريخية تتسبب في أن يتبوأ أعلى المناصب العسكرية، ومن المفارقات أن غيابه في الأردن ومحاولة الانقلاب التي انطلقت من كتيبة المدرعات، سيكونان من أهم عوامل إطاحته ورفاق الثالث من أغسطس، معاوية ولد الطايع، الرئيس الذي أمضى واحدا وعشرين حولاً متربعا على عرش الحكم.
ولد الغزواني؛ رجل قوي الشخصية وهادئ الطبع، صارم الملامح وكتوم. في بداية عقده السادس (مولود عام 1959 )، وينتمي لمقاطعة بومديد في ولاية لعصابه وسط البلاد، وسليل أسرة علم ديني ومشيخة.
يعد “غزواني” واحدا من أبرز الجيل الثالث من ضباط الجيش الموريتاني، حين نجح في مسابقة ملازم في الجيش سنة 1980 كان يدفعه حب العسكر لخوض مغامرة جديدة تماما في حياته؛ إذْ عاش طفولة وشبابا في أجواء محافظة.
انتقل إلى أكاديمية مكناس العسكرية في المملكة المغربية، حيث أكمل دراساته العسكرية على الكراسي ذاتها التي تخرج منها رفيق دربه الجنرال محمد ولد عبد العزيز. وهما من جيل ما بعد حرب الصحراء، التي دفعت قادة المؤسسة العسكرية ذات الثمانية عشر عاما إلى تنفيذ انقلاب العاشر من يوليو 1978 ضد حكم الرئيس الراحل المختار ولد داداه. كانت تلك أولى الخطوات في سلسلة طويلة من الانقلابات المباشرة وغير المباشرة وصفت في كل مرة بأنها “حركات تصحيح”.
تدرج ولد الغزواني بين مختلف المناصب العسكرية في الجيش، وتلقى تدريبات وتكوينات في مناطق عدة من العالم كان من ضمنها سوريا والأردن، اللتان ترتبط معهما موريتانيا باتفاقيات عسكرية. ليصبح ولد الغزواني أخيرا قائدا لإحدى أهم المواقع وأكثرها حساسية، إنها كتيبة المدرعات التي تضم دبابات الجيش روسية الصنع، ومعظمها هدايا من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
أصبح عقيدا عام 2005، وتولى إدارة المكتب الثاني في قيادة أركان الجيش، وهو المنصب الذي ظل يحتفظ به لغاية تنفيذ انقلاب الثالث من أغسطس، الذي كان قائد الحرس الرئاسي العقيد محمد ولد عبد العزيز بمثابة “الريموت كنترول” المشرف عليه، وتولى التنسيق له وجمع التأييد في صفوف القادة الأهم في المؤسسة العسكرية.
وعلى عكس “غزواني” كان الرفيق الآخر “عزيز” قد ساهم بفعالية في إفشال محاولة انقلاب صالح ولد حننا عام 2003، وتمت ترقيته بعدها إلى رتبة عقيد، كما هو شأن ولد الغزواني؛ وإن اختلف السبب.
تولى ولد الغزواني منصب المدير العام للأمن الوطني لمدة 3 أعوام، وهو المنصب الذي شغله العقيد اعلي ولد محمد فال منذ 1985، سنة واحدة بعد انقلاب 12 ديسمبر 1984، بقيادة العقيد معاوية ولد الطايع، قائد أركان الجيش يومها، ضد نظام الرئيس المقدم محمد خونه ولد هيدالة، أحد أقوى رجال السلط العسكرية في تاريخ البلاد.
كان غزواني إلى جانب 17 ضابطا ساميا يشكلون أعضاء المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية (2005-2007)، وأسندوا رئاسته للعقيد ولد محمد فال نظرا لعامل السن والأقدمية. كان هذا المجلس فريدا في تاريخ اللجان العسكرية التي تعاقبت على الانقلابات في موريتانيا، من خلال تعهداته التي أطلقها في بيانه الأول، ظهر الأربعاء الثالث من أغسطس، تماما كما كان فريدا في تسميته. ودخلت كلمة “مجلس” لاحقا ضمن قاموس بعض انقلابيي إفريقيا (المجلس الأعلي للدولة في موريتانيا، والمجلس العسكري في غينيا ما بعد لانسانا كونتي).
وُصف ولد الغزواني بكونه أحد أهم ثلاثة قادة في الهيئة العسكرية التي حكمت البلاد عاما وسبعة أشهر، لتُـسلم السلطة لرئيس منتخب، وتعود للانقلاب عليه في أغسطس الماضي، بمعظم أعضاءها الموصوفين بالموالاة لولد عبد العزيز. عكس آخرين أقيلوا وأبعدوا.
شكّل رفاق السادس من أغسطس هذه المرة “المجلس الأعلى للدولة” لأجل إدارة شؤون البلاد في فترة انتقالية لم تحدد مدتها. وليعترف قائدهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز في ديسمبر المنصرم، بأن العسكريين هم من أتوا بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ودعموه وقدموه للجماهير التي انتخبته في مارس 2007.
وحين أخذ الرئيس المطاح به قرارا بترقية ولد عبد العزيز و ولد الغزواني و فيليكس نيكري على التوالي، في ابريل ويوليو من العام المنصرم، نتجت عن ذلك ردود فعل منددة في أوساط المعارضة السياسية واصفة القرار بأنه “ضعف” من ولد الشيخ عبد الله، واستمرار لمنح الثقة العمياء للعسكريين الذي أوصلوه للسلطة عن طريق الدعم، وتعبئة القوى التقليدية و”الدولة العميقة” لصالحه في انتخابات 11 مارس آذار 2007 بحسب المعارضة، إلا أن موالين للسلطة رأوا حينها أن هذه “المكافأة” طبيعية وكانت متوقعة بالنظر إلى خدماتهم للجيش والدولة الموريتانية.
لم تمنح رتبة جنرال من قبل سوى لمولاي ولد بوخريص، القائد السابق للجيش الذي رقاه الرئيس السابق ولد الطايع إلى رتبة جنرال بعد تقاعده قبل خمس سنوات من الآن.
وطيلة الأسابيع التي سبقت انقلاب السادس من أغسطس ومع اشتداد الأزمة السياسية تقول مصادر إن مخاوف بدأت تراود الجنرالين ولد عبد العزيز وولد الغزواني مما سيَـقدم عليه الرئيس ولد الشيخ عبد الله، وهو ما دعا بحسب تلك المصادر إلى عودة سريعة لقائد الجيش ولد الغزواني من زيارة لمدينة أطار شمال البلاد قبل أسبوعين على الانقلاب، لكنه اطمأن وانتقل لجولة داخلية أخرى، ليفاجأه ولد الشيخ عبد الله ورفيقه عزيز بقرار الإقالة، والذي سبب ردة فعل انقلابية غير مسبوقة.
يشغل ولد الغزواني اليوم منصب قائد أركان الجيش الوطني، بقرار جمهوري في 13 أبريل الماضي، أصدره الرئيس المطاح به ولد الشيخ عبد الله، في واحدة من أكثر التغييرات في هرم القيادة خلال مدة قصيرة، فقد تبوأ القيادة خلفا للجنرال الثالث فيلكس نيكري، الذي كان قد خلف بدوره العقيد محمد ولد محمد صالح، وهو بدوره الذي خلف العقيد عبد الرحمن ولد بوبكر المقال بعيد وصول ولد الشيخ عبد الله للحكم، قبل أن يعيد له الثقة بتعيينه قائدا للجيش صبيحة السادس من أغسطس الماضي، قادما من إدارة مفوضية الأمن الغذائي! ولكنه لم يتمكن من تسلم مهامه، لأن خطوات ولد عبد العزيز وولد الغزواني كانت أسرع، فالتاريخ علمهما كيف تدار الانقلابات بنجاح وسرعة.
نحج الانقلاب وظل الجنرال محمد ولد الشيخ محمد أحمد (ولد الغزواني) قائدا لأركان الجيش، وعضوا في المجلس الأعلى للدولة.. ويواصل الزمن دورته.