لم يكن لقاء رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني بأطر وممثلي سكان تمبدغه لقاءً عادياً في في محطته قبل الأخيرة من جولته بالحوض الشرقي، بل تحول إلى محطة سياسية كاشفة وضعت النقاط على الحروف في أكثر الملفات سخونة داخل المشهد السياسي الموريتاني.
ففي كلمته أمام أبناء المقاطعة، شدد الرئيس على أن المرحلة الراهنة ليست حملة انتخابية، بل هي مرحلة عمل جاد وبناء متواصل لخدمة الوطن والمواطن، مؤكداً أن “لا مكان بيننا لمن يفكر أو يعمل لأجندة غير أجندة تنفيذ البرنامج الذي تعهدنا به للشعب الموريتاني”.
كما حذّر من الانجرار وراء الشائعات حول وجود خلافات داخل النظام أو ترشحات مبكرة لرئاسيات 2029، معتبراً أن مثل هذه الأحاديث تصرف الأنظار عن الإنجازات الحقيقية وتشغل الرأي العام بنقاشات لا محل لها.
⸻
مرحلة بناء لا حملة سابقة لأوانها
أعاد الرئيس غزواني التأكيد على مركزية العمل الميداني، وضرورة التركيز على تنفيذ التعهدات والبرامج الحكومية بدل الانشغال بالتكهنات السياسية؛ مؤكدا في حديثه أن الحوار حول النظام الديمقراطي ومؤسساته الدستورية أمر مطلوب، لكنه يجب أن يبقى في إطار الإصلاح لا التشويش.
بهذا المعنى، رسم الرئيس ملامح المرحلة المقبلة كمرحلة تنفيذ لا تنافس، وانسجام لا انقسام.
⸻
حزم في مواجهة “معسكر الخلافة”
الكاتب الصحفي سيد أحمد ولد باب وصف خطاب تمبدغه بأنه “نهاية حلم وبداية مسار”، معتبراً أنه شكّل صفعة قوية لمعسكر الخلافة الذي يحاول الترويج لمرحلة ما بعد الغزواني مبكراً.
ويرى الكاتب أن الرئيس وجّه من خلال خطابه رسالة حازمة لكل من يسعى لبناء نفوذ شخصي داخل النظام، وأنه أعاد توجيه البوصلة نحو العمل والانسجام الداخلي.
ويضيف أن “تسامح الرئيس لا يعني ضعفاً، بل هو من خصال رجل يعرف متى يحسم الأمور ومتى يتسامح”، مؤكداً أن الخطاب أغلق الباب أمام الترهات السياسية، وفتح المجال أمام مرحلة إصلاح وتقييم صريح.
⸻
شرح جميل وبراءة من المأمورية الثالثة
السياسي المخضرم بين الموالاة والمعارضة جميل منصور قدّم قراءة أكثر هدوءاً، مؤكداً أن الرئيس غزواني كان واضحاً ومتوازناً في حديثه، حيث جمع بين النصح والتحذير.
واعتبر أن الخطاب لا يحمل مؤشرات على مأمورية ثالثة كما روج البعض، بل هو دعوة إلى ضبط الأولويات السياسية والتركيز على تنفيذ البرنامج التنموي.
وأضاف أن الرئيس تحدث أيضاً عن إصلاحات دستورية وانتخابية محتملة في سياق تحسين الحكامة، وهو ما يعزز توجهه نحو التطوير ضمن الأطر الدستورية القائمة، لا خارجها.
⸻
صرف للنظر عن واقع معاش
أما الوزير السابق سيدي ولد أحمد ديّ فاختار زاوية نقدية مغايرة، معتبراً أن زيارة الرئيس للحوض الشرقي كشفت حجم التحديات التنموية التي ما تزال المنطقة تواجهها بعد عقود من الوعود والاستثمارات.
وأشار إلى أن الولاية تعاني من ضعف البنية التحتية، وغياب التخطيط العمراني، واستفحال القبلية، مع تراجع الوعي السياسي وضعف مؤسسات المجتمع المدني.
وقال الوزير السابق إن “الخطاب السياسي لا يمكن أن يغطي على واقع الفقر والتهميش”، مضيفاً أن هذه المشكلات ليست محصورة في الحوض الشرقي بل تكاد تشمل كل ولايات البلاد.
⸻
قراءات متقاطعة للمشهد
تتباين القراءات حول خطاب تمبدغه بين من يرى فيه خطوة لتصحيح المسار وإعادة الانسجام داخل النظام، ومن يعتبره مؤشراً على ضيق الأفق السياسي ومحاولة لإخماد النقاش حول مستقبل السلطة.
ذلك أن الاتجاه الموالي يرى في الخطاب تثبيتاً لوحدة الصف ومواصلة مسار العمل الجاد، بينما يرى التحليل المعتدل أنه خطاب توجيهي يهدف لتنظيم النقاش السياسي دون مصادرة الآراء.
فيما يعتبر الاتجاه الناقد أن الخطاب، رغم صرامته السياسية، لم يخفِ هشاشة الواقع التنموي الذي تعيشه البلاد منذ عقود.
⸻
“تمبدغه” مرآة المرحلة
لقد تجاوز خطاب تمبدغه كونه مجرد لقاء بالأطر والوجهاء، إلى كونه حدثاً سياسياً مفصلياً كشف بوضوح ملامح المرحلة المقبلة.
فقد أعاد داخلياً، رسم الحدود بين الولاء والانضباط داخل النظام، ووجه بوصلة النقاش نحو مستقبل الحكم والإصلاح الدستوري، وأظهر شعبيا التباين بين من يرى في الخطاب رسالة انضباط وإصلاح، ومن يراه محاولة لاحتواء القلق الداخلي.
وفي المحصلة، بدت تمبدغه كمرآة تعكس حال البلاد والنظام معاً: بين من يؤمن بأن الرئيس يعيد ترتيب البيت من الداخل، ومن يرى أن الخطاب لا يغني عن مواجهة الاختلالات العميقة في البنية السياسية والتنموية لموريتانيا
